فصل: قال ابن الجوزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن الجوزي:

{لَا أُقْسِمُ بِهَذَا البلد (1)}
قوله تعالى: {لا أقسم} قال الزجاج: المعنى: أقسم.
و(لا) دخلت توكيداً، كقوله تعالى: {لئلا يعلم أهل الكتاب} [الحديد: 29] وقرأ عكرمة، ومجاهد، وأبو عمران، وأبو العالية، {لأُقْسِمُ} قال الزجاج: وهذه القراءة بعيدة في العربية، وقد شرحنا هذا في أول (القيامة).
قوله تعالى: {وأنت حل بهذا البلد} فيه ثلاثة أقوال.
و{البلد} هاهنا: مكة.
أحدها: حل لك ما صنعت في هذا البلد من قَتْلٍ أو غيره، قاله ابن عباس، ومجاهد.
قال الزجاج: يقال: رجل حِلٌّ، وحَلاَل، ومُحِلٌّ.
قال المفسرون: والمعنى: إن الله تعالى وعد نبيَّه أن يفتح مكة على يديه بأن يُحلَّها له، فيكون فيها حِلاًّ.
والثاني: فأنت مُحِلٌّ بهذا البلد غير مُحْرم في دخوله، يعني: عام الفتح، قاله الحسن، وعطاء.
والثالث: أن المشركين بهذا البلد يستحلون إخراجك وقتلك، ويحرِّمون قتل الصيد، حكاه الثعلبي.
قوله تعالى: {ووالدٍ وما ولد} فيه ثلاثة أقوال.
أحدها: أنه آدم وما ولد، قاله الحسن، ومجاهد، والضحاك، وقتادة.
والثاني: أولاد إبراهيم، وما ولد: ذريته، قاله أبو عمران الجوني.
والثالث: أنه عامٌّ في كل والدٍ وما ولد، حكاه الزجاج.
قوله تعالى: {لقد خلقنا الإنسان} هذا جواب القسم.
وفيمن عنى بالإنسان خمسة أقوال.
أحدهما: أنه اسم جنس، وهو معنى قول ابن عباس.
والثاني: أنه أبو الأشدين الجمحي، وقد سبق ذكره، [المدثر: 29، والانفطار: 5] قاله الحسن.
والثالث: أنه الحارث بن عامر بن نوفل، وذلك أنه أذنب ذنباً، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالكفارة، فقال: لقد ذهب مالي في الكفارات، والنفقات منذ دخلت في دين محمد، قاله مقاتل.
والرابع: آدم عليه السلام، قاله ابن زيد.
والخامس: الوليد بن المغيرة، حكاه الثعلبي.
قوله تعالى: {في كبد} فيه ثلاثة أقوال.
أحدها: في نَصَبٍ، رواه الوالبي عن ابن عباس، وبه قال الحسن، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وأبو عبيدة، فإنهم قالوا: في شدة.
قال الحسن: يكابد الشكر على السَّرَّاء والصبر على الضَّرَّاء، لأنه لا يخلو من أحدهما ويكابد مصائب الدنيا، وشدائد الآخرة.
قال ابن قتيبة: في شدة غلبةٍ ومكابدةٍ لأمور الدنيا والآخرة، فعلى هذا يكون من مكابدة الأمر، وهي معاناته.
والثاني: أن المعنى: خلق منتصباً يمشي على رجلين، وسائر الحيوان غير منتصب، رواه مقسم عن ابن عباس، وبه قال عكرمة، والضحاك، وعطية، والفراء، فعلى هذا يكون معنى الكبد: الاستواء والاستقامة.
والثالث: في وسط السماء، قال ابن زيد: {لقد خلقنا الإنسان} يعني: آدم {في كبد} أي: في وسط السماء.
قوله تعالى: {أيحسب أن لن يقدر عليه أحد} يعني اللهَ عز وجل أي: أيحسب أن لن نقدر على بعثه، ومعاقبته؟! {يقول أهلكت مالا لبدا} أي: كثيراً، قال أبو عبيدة: هو فعل من التلبُّد، وهو المال الكثير بعضه على بعض.
قال ابن قتيبة: وهو المال المتلبد، كأنَّ بعضَه على بعض.
قال الزجاج: وهو فعل للكثرة، كما يقال: رجل حُطَم: إذا كان كثير الحطم.
وقرأ أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وعائشة، وأبو عبد الرحمن، وقتادة، وأبو العالية، وأبو جعفر {لبدا} بضم اللام، وتشديد الباء مفتوحة.
وقرأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وأبو المتوكل، وأبو عمران {لبدا} بفتح اللام وتسكين الباء خفيفة.
وقرأ عثمان بن عفان، والحسن، ومجاهد، {لبدا} برفع اللام والباء وتخفيفهما.
وقرأ على وابن أبي الجوزاء {لبدا} بكسر اللام، وفتح الباء مخففة.
وفيما قال لأجله ذلك قولان.
أحدهما: أنه أراد: أهلكت مالاً كثيراً في عداوة محمد، قاله ابن السائب، فكأنه استطال بما أنفق.
والثاني: أنفقت في سبيل الله وفي الكفارات مالاً كثيراً، قاله مقاتل.
فكأنه ندم على ما أنفق.
قوله تعالى: {أيحسب أن لم يَرَهُ أحد} يعني اللهَ عز وجل: والمعنى: أيظن أن الله لم ير نفقته، ولم يُحْصِها؟! وكان قد ادعى ما لم ينفق.
قوله تعالى: {ألم نجعل له عينين} والمعنى: ألم نفعل به ما يدل على أن الله قادر على بعثه؟!.
قوله تعالى: {وهديناه النجدين} فيه ثلاثة أقوال.
أحدها: سبيل الخير والشر، قاله على، والحسن، والفراء.
وقال ابن قتيبة: يريد طريق الخير والشر.
وقال الزجاج: النجدان: الطريقان الواضحان.
والنجد: المرتفع من الأرض، فالمعنى: ألم نُعرِّفه طريق الخير والشر كَتَبَيُّن الطريقين العاليين.
والثاني: سبيل الهدى والضلال، قاله ابن عباس.
وقال مجاهد: هو سبيل الشقاوة والسعادة.
والثالث: الثديانِ ليتغذى بلبنهما، روي عن ابن عباس أيضاً، وبه قال ابن المسيب، والضحاك، وقتادة.
قوله تعالى: {فلا اقتحم العقبة} قال أبو عبيدة: فلم يقتحم العقبة في الدنيا.
وقال ابن قتيبة: فلا هو اقتحم العقبة.
قال الفراء: لم يضم إلى قوله تعالى: فلا اقتحم العقبة كلاماً آخر فيه (لا)، والعرب لا تكاد تفرد (لا) في الكلام حتى يعيدوها عليه في كلام آخر، كقوله تعالى: {فلا صدق ولا صلى} [القيامة: 31]، {ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون} [البقرة: 62].
ومعنى (لا) مأخوذ من آخر هذا الكلام، فاكتفى بواحدة من الأخرى، ألا ترى أنه فسر اقتحام العقبة، فقال: فكُّ رقبة.
{أو إطعام في يوم ذي مسغبة} {ثم كان من الذين آمنوا} ففسرها بثلاثة أشياء.
فكأنه كان في أول الكلام: فلا فعل ذا، ولا ذا.
وذهب ابن زيد في آخرين إلى أن المعنى: أفلا اقتحم العقبة؟ على وجه الاستفهام، والمعنى: فهلاَّ أنفق ماله في فَكِّ الرِّقاب والإطعام ليجاوز بذلك العقبة؟!
فأما الاقتحام فقد بَيَّناه في [ص: 59].
وفي العقبة سبعة أقوال.
أحدها: أنه جبل في جهنم، قاله ابن عمر.
والثاني: عقبة دون الجسر، قاله الحسن.
والثالث: سبعون دركة في جهنم، قاله كعب.
والرابع: الصراط، قاله مجاهد، والضحاك.
والخامس: نار دون الجسر، قاله قتادة.
والسادس: طريق النجاة، قاله ابن زيد.
والسابع: أن ذكر العقبة هاهنا مَثَلٌ ضربه الله تعالى لمجاهدة النفس والهوى والشيطان في أعمال البِرِّ، فجعله كالذي يتكلَّف صعود العقبة.
يقول: لم يحمل على نفسه المشقة بعتق الرقبة والإطعام، ذكره على بن أحمد النيسابوري في آخرين.
قوله تعالى: {وما أدراك ما العقبة} قال سفيان بن عيينة: كلُّ ما فيه {وما أدراك} فقد أخبره به، وكلُّ ما فيه {وما يدريك} فإنه لم يخبره به.
قال المفسرون: المعنى: وما أدراك ما اقتحام العقبة؟ ثم بيَّنه فقال تعالى: {فَكُّ رقبة} قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، إلا عبد الوارث، والكسائي، والداجوني عن ابن ذكوان {فَكَّ} بفتح الكاف {رقبة} بالنصب {أو أطعم} بفتح الهمزة والميم وسكون الطاء من غير ألف.
وقرأ عاصم، وابن عامر، ونافع، وحمزة {فَكُ} بالرفع {رقبة} بالخفض {أو إطعامٌ} بالألف.
ومعنى فك الرقبة: تخليصها من أسر الرق، وكل شيء أطلقته فقد فكَكْتَه.
ومن قرأ: {فَكَّ رقبة} على الفعل، فهو تفسير اقتحام العقبة بالفعل، واختاره الفراء، لقوله تعالى: {ثم كان من الذين آمنوا} قال ابن قتيبة: والمسغبة: المجاعة، يقال: سَغِبَ يَسْغَبُ سُغُوباً: إذا جاع {يتيماً ذا مقربة} أي: ذا قرابة {أو مسكيناً ذا متربة} أي: ذا فقر كأنه لَصِق بالتراب.
وقال ابن عباس: هو المطروح في التراب لا يقيه شيء.
ثم بين أن هذه القُرَبَ إنما تنفع مع الإيمان بقوله تعالى: {ثم كان من الذين آمنوا} و{ثم} هاهنا بمعنى الواو، كقوله تعالى: {ثم الله شهيد} [يونس: 46].
قوله تعالى: {وتواصوا بالصبر} على فرائض الله وأمره {وتواصوا بالمرحمة} أي: بالتراحم بينهم.
وقد ذكرنا أصحاب الميمنة والمشأمة في [الواقعة: 7، 8] قال الفراء: و(المؤصدة) المطبقة.
قال مقاتل: يعني أبوابها عليهم مطبقة فلا يفتح لها باب، ولا يخرج منها غم، ولا يدخل فيها روح آخر الأبد.
وقال ابن قتيبة: يقال: أَوْصَدْتُ الباب وآصدته: إذا أطبقته.
وقال الزجاج: المعنى: أن العذاب مطبق عليهم.
وقرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم {موصدة} بغير همز هاهنا وفي [الهمزة: 8] وقرأ أبو عمرو، وحمزة، وحفص عن عاصم بالهمز في الموضعين. اهـ.

.قال الخازن:

قوله عزّ وجلّ: {لا أقسم بهذا البلد}
تقدم الكلام على قوله لا أقسم في أول سورة القيامة، والبلد هي مكة في قول جميع المفسرين.
{وأنت حل بهذا البلد} أي مقيم به، نازل فيه، فكأنه عظّم حرمة مكة من أجل أنه صلى الله عليه وسلم مقيم بها وقيل حل أي حلال، والمعنى أحلت لك تصنع فيها ما تريد من القتل، والأسر، ليس عليك ما على الناس من الإثم في استحلالها، أحل الله عزّ وجلّ له مكة يوم الفتح حتى قاتل، وأمر بقتل ابن خطل، وهو متعلق بأستار الكعبة، ومقيس بن صبابة وغيرهما، وأحل دماء قوم، وحرم دماء قوم آخرين، فقال: «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن، ثم قال بعد ذلك إن الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض، ولم تحل لأحد قبلي، ولا تحل لأحد بعدي، وإنما أحلت لي ساعة من نهار فهي حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة»، والمعنى أن الله تعالى لما أقسم بمكة دل ذلك على عظم قدرها، وشرفها، وحرمتها، ومع ذلك فقد وعد نبيه صلى الله عليه وسلم، أنه يحلها له حتى يقاتل فيها، وأن يفتحها على يده، فهذا وعد من الله تعالى في الماضي، وهو مقيم بمكة أن يفتحها عليه في المستقبل بعد الهجرة، وخروجه منها، فكان كما وعده، وقيل في معنى قوله: {وأنت حلّ بهذا البلد}، أي أنهم يحرمون أن يقتلوا به صيداً، ويستحلون قتلك فيه، وإخراجك منه.
{ووالد وما ولد} يعني آدم وذريته أقسم الله تعالى بمكة لشرفها، وحرمتها، وبآدم، وبالأنبياء والصالحين من ذريته، لأن الكافر وإن كان من ذريته فلا حرمة له حتى يقسم به، وجواب القسم قوله تعالى: {لقد خلقنا الإنسان في كبد} قال ابن عباس: في نصب، وقيل يكابد مصائب الدنيا، وشدائد الآخرة، وعنه أيضاً قال: في شدة من حمله، وولادته، ورضاعه، وفطامه، وفصاله، ومعاشه، وحياته، وموته وأصل الكبد الشدة، وقيل لم يخلق الله خلقاً يكابد، ما يكابد ابن آدم، وهو مع ذلك أضعف الخلق، وعن ابن عباس أيضاً قال: الكبد الاستواء، والاستقامة، فعلى هذا يكون المعنى، خلقنا الإنسان منتصباً معتدل القامة، وكل شيء من الحيوان يمشيء منكباً، وقيل منتصباً، رأسه في بطن أمه فإذا أذن الله في خروجه انقلب رأسه إلى أسفل، وقيل {في كبد} أي في قوة نزلت في أبي الأشد أسيد بن كلدة بن جمح، وكان شديداً قوياً يضع الأديم العكاظي تحت قدميه، ويقول من أزالني عنه فله كذا وكذا فلا يطاق أن ينزع من تحت قدميه إلا قطعاً، ويبقى من ذلك الأديم بقدر موضع قدميه.
{أيحسب} أبو الأشد من قوته {أن لن يقدر عليه أحد} يعني أيظن لشدته في نفسه، أنه لا يقدر عليه الله، وقيل هو الوليد بن المغيرة المخزومي.
{يقول} يعني هذا الكافر {أهلكت} أي أنفقت {مالاً لبدا} أي كثيراً من التلبيد الذي يكون بعضه فوق بعض.
يعني في عداوة محمد صلى الله عليه وسلم {أيحسب أن لم يره أحد} يعني أيظن أن الله لم يره، ولا يسأله عن ماله من أين اكتسبه، وفيم أنفقه، وقيل كان كاذباً في قوله، إنه أنفق ولم ينفق جميع ما قال والمعنى أيظن أن الله لم ير ذلك منه فيعلم مقدار نفقته.
ثم ذكره نعمه عليه ليعتبر فقال تعالى: {ألم نجعل له عينين ولساناً وشفتين} يعني أن نعم الله على عبده متظاهرة، يقروه بها كي يشكره، وجاءه في الحديث: «إن الله عزّ وجلّ يقول: ابن آدم إن نازعك لسانك فيما حرمت عليك فقد أعنتك عليه بطبقتين فأطبق عليه، وإن نازعك بصرك فيما حرمت عليك فقد أعنتك عليه بطبقتين فأطبق عليه، وإن نازعك فرجك فيما حرمت عليك فقد أعنتك عليه بطبقتين فأطبق عليه».
{وهديناه النجدين} قال أكثر المفسرين طريق الخير والشر والحق، والباطل، والهدى، والضلالة، وقال ابن عباس: الثديين {فلا أقتحم العقبة} أي فهلا أنفق ماله فيما يجوز به العقبة من فك الرقاب وإطعام المساكين يكون ذلك خيراً له من إنفاقه في عداوة من أرسله الله إليه، وهو محمد صلى الله عليه وسلم، وقيل معناه لم يقتحمها ولا جاوزها والاقتحام الدّخول في الأمر الشّديد، وذكر العقبة مثل ضربه الله تعالى: لمجاهدة النّفس، والهوى، والشّيطان في أعمال الخير، والبر، فجعله كالذي يتكلف صعود العقبة يقول الله عزّ وجلّ: لم يحمل على نفسه المشقة بعتق الرقبة، والإطعام، وقيل إنه شبه ثقل الذنوب على مرتكبها بالعقبة، فإذا أعتق رقبة وأطعم المساكين.
كان كمن اقتحم العقبة وجاوزها، وروي عن ابن عمر أن هذه العقبة جبل في جهنم، وقيل هي عقبة شديدة في النار دون الجسر فاقتحموها بطاعة الله ومجاهدة النفس، وقيل هي الصّراط يضرب على متن جهنم كحد السّيف مسيرة ثلاثة آلاف سنة سهلاً وصعوداً وهبوطاً، وأن بجنبيه كلاليب وخطاطيف، كأنها شوك السّعدان فناج مسلم، وناج مخدوش، ومكردس في الناس منكوس، فمن الناس من يمر كالبرق الخاطف، ومنهم من يمر كالريح العاصف، ومنهم من يمر كالفارس، ومنهم من يمر كالرّجل يعدو، ومنهم من يمر كالرجل يسير، ومنهم من يزحف زحفاً ومنهم الزّالون ومنهم من يكردس في النار، وقيل معنى الآية: فهلا سلك طريق النجاة ثم بين ما هي.
{وما أدراك ما العقبة} أي وما أدراك ما اقتحام العقبة {فك رقبة} يعني عتق الرقبة وهو إيجاب الحرية لها، وإبطال الرق، والعبودية عنها، وذلك بأن يعتق الرجل الرقبة التي في ملكه، أو يعطي مكاتباً ما يصرفه في فكاك رقبته ومن أعتق رقبة كانت فداءه من النار (ق) عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أعتق رقبة مسلمة أعتق الله بكل عضو منها عضواً منه من النار حتى فرجه بفرجه» وروى البغوي بسنده عن البراء بن عازب قال: «جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله علمني عملاً يدخلني الجنة قال لئن كنت أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسالة أعتق النّسمة، وفك الرقبة قال أوليسا واحدًا قال لا عتق النسمة أن تنفرد بعتقها، وفك الرقبة أن تعين في ثمنها والمنحة الوكوف والفيء على ذي الرحم الظّالم، فإن لم تطق ذلك فأطعم الجائع واسق الظّمآن وأمر بالمعروف وانه عن المنكر، فإن لم تطق ذلك فكف لسانك إلا من خير» وقيل في معنى الآية وفك رقبة من رق الذّنوب بالتّوبة وبما يتكلفه من العبادات، والطاعات التي يصير بها إلى رضوان الله، والجنة فهي الحرية الكبرى ويتخلص بها من النار {أو إطعام في يوم ذي مسغبة} أي في يوم ذي مجاعة والسغب الجوع {يتيماً ذا مقربة} أي ذا قرابة يريد يتيماً بينك وبينه قرابة {أو مسكيناً ذا متربة} يعني قد لصق بالتراب من فقره وضره وقال ابن عباس: هو المطروح في التّراب لا يقيه شيء والمتربة الفقر، ثم بين أن هذه القرب لا تنفع إلا مع الإيمان بقوله: {ثم كان من الذين آمنوا} والمعنى أنه كان مؤمناً تنفعه هذه القرب، وكان مقتحماً العقبة، وإن لم يكن مؤمناً لا تنفعه هذه القرب ولا يقتحم العقبة {وتواصوا بالصبر} يعني وصى بعضهم بعضاً على الصبر على أداء الفرائض، وجميع أوامر الله ونواهيه.
{وتواصوا بالمرحمة} أي برحمة الناس وفيه الإشارة إلى تعظيم أمر الله والشفقة على خلق الله.
{أولئك} يعني أهل هذه الخصال {أصحاب الميمنة والذين كفروا بآياتنا هم أصحاب المشأمة عليهم نار مؤصدة} يعني مطبقة عليهم أبوابها لا يدخل فيها روح ولا يخرج منها غم.
والله سبحانه وتعالى أعلم بمراده. اهـ.